نهارك في رمضان
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا فيما سبق عن ليلتك في رمضان، وفي هذه الكلمة
نتكلم عن يومك، ونبدأ الحديث عن الصيام، كيف يكون صومك في رمضان؟
فاعلم وفقني الله وإياك للخيرات: أن فضل الصوم عظيم، ويكفيه فضلاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ
عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى
سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ
فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ
أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ
عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ
رِيحِ الْمِسْكِ)(متفق
عليه)، وفي رواية لأحمد: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ
الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلاَّ الصَّوْمَ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ).
أفاد هذا الحديث: أن العمل الصالح يضاعفه الله -تعالى-
للعبد إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فيضاعفه الله -تعالى-
بغير حصر؛ لأنه من الصبر، وقد قال
-تعالى-:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).
وأفاد أيضًا: أن الصوم مدرسة؛ فيها يتربى العبد إيمانيًا وسلوكيًا.
- يربيه أولاً: على الإخلاص لله -تعالى- في العبادة: (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ
أَجْلِي)، أي: إخلاصًا
لي؛ لأن الصوم لا رياء فيه كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-.
ولكي يتحقق ذلك، ويستمر معك ممتدًا إلى سائر العبادات، فعليك
في نهار صومك أن تستشعر أنك تركت شهوتي البطن والفرج من أجل الله -تعالى-؛
طاعة وتقربًا إليه.
- ويربيه ثانيًا: على المراقبة لله -تعالى-، يعلم أن الله -تعالى-
مطلع عليه، يرى قلبه، ويسمع قوله، يعلم السر وأخفى؛ فيتحفظ لصومه، وبتكرار
هذا المعنى على قلبه يصل إلى الإحسان في عبادة الله -تعالى-؛
في الصوم وغيره.
- ويربيه ثالثـًا: على الأخلاق الفاضلة وترك الأخلاق السيئة؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصِّيَامُ
جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ
يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي
امْرُؤٌ صَائِمٌ)(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ
لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)(رواه البخاري).
(وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ) أي: وقاية وستر من الآثام، ومن النار، أو من جميع ذلك.
و"الرفث": الكلام الفاحش أو الكلام عن الجماع ومقدماته،
والجهل: أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل: كالصياح، والسفه، ونحو ذلك.
قول الزور: الكذب، والعمل به: أي العمل بمقتضاه.
- ويربيه على الإحسان إلى نفسه وإلى الخلق،
فإلى نفسه: بالسعي إلى تزكيتها، ونجاتها بالعمل الصالح، والإحسان إلى
الخلق: بحسن معاملتهم بالمقال والفعال؛ خاصة الضعفاء والمساكين.
- ويربيه على أنواع الصبر الثلاثة:
صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقداره المؤلمة، من ألم
الجوع والعطش، وهو مأجور على ذلك كله؛ لأنه في سبيل
الله، قال الله-تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ
لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة:120).
- ويربيه على المحبة لله -تعالى- ولأمره،
والبغض لأعدائه ومعاصيه: (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ
أَجْلِي)؛ لعلمه أن ذلك محبوب لله -تعالى-.
قال أحدهم: "فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم".
- وينبغي أن نعلم أن غاية الصوم تحقيق
التقوى؛ كما قال الله
-عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
قال العلامة السعدي -رحمه الله-:
"يخبر-تعالى- بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم
الصيام، كما فرضه على
الأمم السابقة، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي
مصلحة للخلق في كل زمان.